tugas tayarat



السؤال الأول :
إشرح شرحا نقديا مفهوم المادية الجدلية عند أصحاب الماركسية الشيوعية ؟؟.......
السؤال الثّاني :
بين أصول الوجودية وموقفها من الدّين والقيم الإنسانية، وموقف الإنسان من الوجودية؟.....
السؤال الثالث :
عرّف عن مذهب التطوّر، رجال المذهب، وأفكار المذهب، ثم بين رأيك عن هذا المذهب؟.....
الإجابة :
الجواب للسؤال الأول :
يميل البعض لإطلاق إسم الماركسية على المادية الجدلية والمادية التاريخية نسبة إلى الفيلسوف الااقتصادي الألماني كارل ماركس الذي عاش في القرن التاسع عشر في ألمانيا والذي أصدر وزميله فردريك إنجلز دعائم النظرية وأطلقا البيان الشيوعي الشهير، إلا أني لا أتفق مطلقا مع التسمية ليس فقط لأن فيها قصر لكل منجزات من أسهم في هذه الفلسفة رغم أن لماركس الفضل الاكبر ولكن أيضا لأنها تسمية لا علمية ولا تتوافق وروح النظرية نفسها ، وعلى ذلك فإن الكثير من المراجع عمدت لإطلاق إسم ماركسية على المادية الجدلية والمادية التاريخية، في التعريف نجد مثلا:
الماركسية هي القوانين الطبيعية التي تتحكم في حركة المجتمع منذ نشوء اول مجتمع انساني وفي مختلف مراحل تطور المجتمعات البشرية وستبقى تعمل طالما وجدت مجتمعات بشرية على الارض .

إن الماركسية نظرة علمية للعالم، وهي النظرة الوحيدة العلمية أي التي تتفق مع العلوم الاخرى التي تخبرنا أن الكون حقيقة مادية، وأن الإنسان ليس غريبا على هذه الحقيقة، وأنه يمكنه معرفتها، ومن ثم تغييرها كما تدل على ذلك النتائج العملية التي توصلت إليها مختلف العلوم.
وليست المادية الماركسية مماثلة للعلوم لأنها لا تتخصص في جانب معينا من جوانب الواقع كما تفعل العلوم بل هي تسعى لفهم العالم.

التعريفات المقتضبة السابقة بتقديرنا تنصرف إلى التوظيف الذي قام به ماركس للمادية الديالكتيكية في دراسة التاريخ أي المادية التاريخية كما هي عند ماركس ، وهنا يقتضي التنويه إلى جواز استعمال وصف الماركسية للدلالة على نتاج تطبيق ماركس للمادية الديالكتيكية في فهمه للتاريخ وهذا بوجه أكثر خصوصية ينصرف إلى عمله الموسوعي الهام كتاب رأس المال وعليه فإن يقول شخص ما أنه ماركسي فهذا معناه على وجه الخصوص أنه مقتنع برؤوية ماركس للتاريخ وتطوره التي تضمنها على وجه الخصوص عمله هذا.
لذا فإنه ليس كل مادي ديالكتيكي ماركسي ولكن كل ماركسي هو مادي ديالكتيكي بالضرورة ؛ المادية الديالكتيكية تقوم على أسس علمية مستقاة من التطور والفهم العلمي للوجود المادي بعامته وهي القراءة الواعية إذن لقوانين التطور أي قوانين الجدل أما المادية التاريخية فهي تطبيق ذلك العلم الفلسفي في فهم تطور التاريخ.

ان ماركس يعتبر ان التاريخ هو تاريخ الصراع الطبقي (وهو الأساس الذي يقوم عليه الفكر الشيوعي) الذي يعتبره المحرك الاساسي للتاريخ. ان ما يسمية البناء الفوقي الذي هو الانظمة السياسية، القيم الاجتماعية، والاديان، هي انعكاس للواقع الطبقي والمادي المعاش (يحاول هنا إظهار الأديان كأنها نتاج صراعات وليس مناهج ربانية لعدم إيمانه بوجود خالق لهذا الكون أصلاً). ان هذا ينسجم مع النزعة المادية لتفسير التاريخ المتناقض مع النزعة المثالية لتفسير الاخير. قام ماركس بقلب ديالكتيك هيغل "رأسا على عقب". ان المادية الجدلية تعتمد أساسا على مفهوم الحركة الدائمة "الذاتية" (أي أن الكون يسيّر نفسه !!!!!) أي عدم الحاجة إلى محرك خارجي وهي تتعارض مع المادية الكلاسيكية السكونية التي تعتبر أن الفكرة هي انعكاس سكوني للمادة.(وهي فكرة أكثر عقلانية لكنها خاطئة أيضاً فلا يمكن للجامد أن ينتج المتحرك.) من هذا المنطلق فان المادية الجدلية تنفي الحاجة إلى محرك أولي للكون وللحياة (إلحاد). ان نظرية النشوء لداروين والنظريات البيولوجية الحديثة تثبت صحة المادية الجدلية. (هذه النظريات تم تفنيد معظمها فهي نظريات تم إثباتها قديماً بشكل غير موضوعي لانها تمثل الصراع التاريخي بين العلم والنظام الكنسي. - كاتب المقال مادي كما يظهر هنا
الجواب للسؤال الثاني :
الاسلام وحدة متكاملة,, لا يقبل التجزؤ ولا الانقسامات، وليس في الاسلام حزبية ولا تعددّية، وإنما هو حزب الله، الذي يجمع الناس على شرع الله الذي شرع لعباده، كما قال سبحانه: (رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون) (22 المجادلة).
ولم يأت في شرائع أنبياء الله، عليهم الصلاة والسلام أنهم اختلفوا فيما يدعون اليه، وأن لبعضهم فكراً غير الآخر، من أولهم الى آخرهم، بل هدفهم واحد، وغايتهم التي يدعون اليها، واحدة لم تختلف، وهي الدعوة الى اخلاص العبادة لله سبحانه، يقول سبحانه: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي اليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون), (25 الأنبياء).

وما دام أن الدين واحد، والإله المعبود واحد، فإن البشرية السائرة على منهج الله، الذي رضيه لعباده لا تختلف، ولا تتباين أفكارها واهدافها,, وإنما الفرقة والاختلاف، تأتي مع البعد عن منهج الله السليم، وباختلاف القلوب الناتج عن ضعف الوازع الديني,, وهو الإيمان الذي محله القلب.
وهذا الاختلاف هو الذي به يحصل الفشل، وتعدد الآراء بحيث كلٌ يصوّب رأيه، ويسفه رأي غيره، وتدب الفرقة بين الجماعات المتآلفة بوحدة الدين الحق.
وقد بيّن الله في عدة اماكن من كتابه الكريم ان حزب الشيطان هو الذي يدعو الى ما فيه الفرقة والخسارة، وأن أهل الضلال هم الذين يتفرقون أحزاباً ليتداولوا أمرهم في الإفساد والتفرقة، يقول سبحانه: (فتقطّعوا أمرهم بينهم زبراً، كل حزب بما لديهم فرحون) (53 المؤمنون).
ومن اهتم بالأحزاب في كل مجتمع ودرسها دراسة الفاحص، بعد عرضها على المحك السليم، والمهمة التي خلق الإنسان من أجلها في هذه الحياة الدنيا، فإنه سيدرك التباين الكبير، كالتباين بين ضلعي المثلث منفرج الزاوية:
فالإسلام يدعو للوحدة، والحزبية والمذهبية تدعوان الى التعددية والفرقة، والإسلام يدعو الى المحبة، والألفة، والحزبية تدعو الى البغضاء والتشاحن، والإسلام تدعو تعاليمه الى حسن الرابطة مع الله بإخلاص، والحزبية تدعو الى تمجيد الأشخاص، وأفكارهم، وقد تدعو الى التمرد على الدين، إن لم يصاحب ذلك إلحاد.
فقد روى الإمام أحمد وأبوداود والنسائي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وأحاديث الدعوة للجماعة كثيرة، منها ما يأتي في خطبته صلى الله عليه وسلم بقوله لأمته: (وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة),, ومنها ما يأتي في أحاديثه عليه الصلاة والسلام ونهيه عن الفرقة.
وما دخلت الحزبية مجتمعاً إلا أفسدته، وبثّت العداوة بين أفراد ذلك المجتمع، ونزع الله البركة من تلك الأمة، في الأقوات والأرزاق، وفي الأعمال واستثمار الوقت.
وفي عصرنا الحاضر تعدّدت المذاهب، وتنوّعت التيارات، وأصبح في كل مجتمع - إلا من رحم الله - من يرفع صوته بنداء لنفسه، تقليداً لمجتمعات الغرب والشرق، مثلما أخبر صلى الله عليه وسلم بقوله الكريم: (لتتبعنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه) قيل يا رسول الله: اليهود والنصارى؟! قال: فمن، أي فمن المعني غيرهما), 

وقد الّف مارتين دودج كتاباً صغيرا طبع عام 1965م الطبعة الثانية مترجماً للعربية سماه: اعرف مذهبك,, أورد فيه اكثر من 33 مذهباً قال في مدخله: وما اكثر ما تختلط هذه العناوين وتتداخل بعضها في بعض، ليفضي هذا التداخل والاختلاط العجيب، الى الفوضى والارتباك والتّبلبل، والى القذف والتشهير والتراشق (ص 7), وليس هذا هو التعريف المنفّر منه للمذهبية ولكن المؤلف يذكر توضيحات تبين نزعات اصحاب المذاهب وأهدافهم التي يتحدّثون عنها وتخالفها أعمالهم إذا وصلوا لمآربهم فيقول: يتبّع أنصار تلك المذاهب المختلفة طرقاً متباينة، ولكنهم ينادون بالإجماع ان هدفهم واحد، (مجتمع صالح، وحكومة كاملة رشيدة) وبعد المقارنة والتّقصِّي تبيّن أن الصورة الرمزية الخيالية لما يدعون اليه، تتغير بمرور الوقت فتبهت جدّتها، وتفقد سناء لونها، وخاصة في العصر الذي نعيش فيه (ص 10
والوجودية التي هي موضوع حديثنا اليوم هي مذهب من المذاهب الكثيرة في هذا العصر، اشتهر بها جان بول سارتر الفرنسي الملحد، الذي اغتّر به، وبمنهجه الأدبي بعض شباب المسلمين حباً في التقليد، ونفوراً من الأصالة في الجذور الأدبية والفكريه الاسلامية,, وسمّوا مذهبه في الأدب: الالتزام, كما جاء في كتابه ما الأدب.
         وهو يعني بالالتزام، الثبات والدعوة لمذهبه الوجوديّ الذي يعبّر عن فكره الإلحاديّ، ويريد به إثبات وجود نفسه، حتى يمكن ان تعرفه بذاته,, وهو يريد بذلك وجوداً، غير الغاية التي أوجده الله لها، حيث خلق الله الإنسان لمهمة جليلة هي عبادة الله وحده، والخلافة في الأرض,, كما بيّن ذلك القرآن الكريم.
          وعن نشأة الوجودية يقول الدكتور عبدالرحمن عميرة في كتابه: المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها: عبر العصور الغابرة، كانت تظهر في حياة البشرية يقظات وجودية، تهتف بأن الإنسان هو المشكلة الاساسية التي يجب ان يكون له اولوية الصدارة في الفكر الانساني,, الى ان قال: ولما جاء الإسلام وجدت الانسانية في كتابه منهجاً متكاملاً عن النفس وطبائعها، النفس وخصائصها، النفس المطمئنة والنفس المؤمنة، والنفس اللوّامة، والنفس الأوّابه,, ولم يهمل الاسلام - وهو من لدن اللطيف الخبير - ان يضع لها العلاج اذا مرضت، ويبيّن لها طريق الهدى اذا انحرفت,, ولكن هذا لم يمنع من ضلال بعض البشر، ونفورهم عن هدي الشرائع، فكانت تظهر بين الحين والآخر، دعوات تطالب الانسان بالانفلات من قيود الدين، ومسايرة هوى النفس.
فمرة تحمل اسم (المانوية): وتدعو الناس الى الرهبنة والخلاص من هذه الدنيا، وتدين بالولاء لإلهين - إله النور وإله الظلمة - وتصدق ببعض الرسل وتكفر بالبعض الآخر.

ومرة أخرى (فردكيّة): تحل النساء، وتبيح الأموال، وتجعل الناس شركة فيها، كاشتراكهم في الماء والنار والهواء - وثالثة: (باطنية): تعلن الإلحاد، وتستحل المحرمات، وتبيح تزويج الأخوات والبنات.

ورابعة وخامسة: بابكيّة، وخرميّة، وإلحادية وغير ذلك كثير، مما لا يحصره حدّ، ولا يقع تحت عدّ.

حتى جاء عصر النهضة - في أوروبا - وتخلّص فيه رجال الفكر من سلطان الكنيسة في أوروبا، وتحرروا من ربقة الدين ايضا.

فجاء ديكارت ليرفع من قيمة العقل، ويعوّض سلطان الكنيسة، ويطالب بتحكيم المنطق.

فلما جاء بسكال رفض أصول المذهب (الديكارتي) الذي عني فيه، عناية خاصة بالعلم وتعمق في موضوعاته، ولم يهتم بمصير الإنسان وحياته وموته الا قليلاً,, ويمكن الجزم بأن بسكال هو الذي رسم طريق الوجودية الحديثة، وخطط معالمها، ووضع المعالم العريضة لهياكل نماذجها المتباينة، ثم جاء (سورين كير كجورد) الذي يعتبره رجال الفكر في الغرب الأب الرسمّي لمدرسة الوجودية والذي نصب نفسه لمهاجمة نظرية المطلق (لهيجل) وعارضها ب (الوجود المطلق) (ص 216 – 217)
وفي الموسوعة العربية الميسرة جاء عن الوجودية بأنها: مدرسة فلسفية معاصرة ذات شعب ثلاث: الوجودية المسيحية عند كير كجارد، ومؤدّاها أن قلق الإنسان يزول بالايمان بالله، والوجودية الإلحادية عند هيدجر، ومارثر: تجعل الانسان مطلق الحرية في الاختيار مما يترتب عليه قلقه ويأسه، والوجودية المسيحية التي ينشدها ماريتان، ويقيمها على فلسفة توما الأكويني، فيقول: إن الإيمان بالله يحدّ من الرغبة في الوجود، والخوف من العدم، والأساس المشترك بين الشعب الثلاث: أن الوجود الإنساني هو المشكلة الكبرى.

فالعقل وحده عاجز عن تفسير الكون ومشكلاته وأن الانسان يستبد به القلق عند مواجهته مشكلات الحياة، وأساس الأخلاق قيام الإنسان بفعل إيجابي، وبأفعاله تتحدد ماهيته، وإذن فوجوده الفعلي يسبق ماهيته, (2: 1945), وصدق علي رضي الله عنه بقوله: لو كان الدين بالعقل لكان المسح على باطن الخفين أولى من المسح على ظاهرها.

وفي الجزء الأول عند المرور ب جان بول سارتر جاء عنه: فيلسوف وأديب فرنسي ولد عام 1905م، اقترنت باسمه الفلسفة الوجودية اشتغل بالتدريس، ثم انخرط في الجيش، وفي عام 1950م انشأ مجلة العصور الحديثة، التي تتضمن أبحاثا وجودية، في الأدب والسياسة اطلق كلمة وجودية على فلسفته دون سائر فلسفات الوجود، وأحرزت مؤلفاته نجاحاً جعله الممثل الأول للوجودية في فرنسا، أهم مؤلفاته الوجود والعدم الذي خرج عام 1943م (1: 942).

ومن هنا ندرك ان الوجودية تعني خلوّ القلب من الإيمان، فيكون خاوياً، ليفكر صاحبه في التعبير عن نفسه، ومحاولة إثبات وجوده، بنظرية فلسفية، يمكن ان يعبر بها شخص بأسلوب يختلف عما يعبر به الآخر,, وذلك لأن العقل انحلّ من القيادة الدينيّة التي توصله لمرفأ السلامة,, فتاه في تفكيره والبحث عن ذاته.

وهذه هي النظرة العامة للمذاهب الفكرية المتعددة، التي تدعو لحبّ الظهور، وإبراز الذات، بوسيلة الانقاص من الآخرين,, بعكس ما يدعو اليه الاسلام، من السمع والطاعة وبذل النصيحة بصدق واخلاص لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم,, والنصيحة لله تقضي الاهتمام بكتاب الله المنزّل، واتباع شرع الله، وعدم الخروج عن جماعة المسلمين، لأن المسلم محكوم بأوامر دين الله، طاعة وحسن استجابة، لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وقيادة الفكر، بزمام تعاليم الإسلام حتى لا يتوه هذا الفكر في فلسفات تبعده عن جادّة الصواب.

وقد بحث المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الاسلامي في مكة المكرمة: الوجودية ضمن الفرق والنحل التي جدّت حديثا في المجتمعات الإسلامية، وأدخل بعضها في الاسلام قسراً مع جذب أفكار الفلاسفة، الذين انحرف بهم فكرهم الى متاهات مظلمة لم يستطيعوا الخروج منها.

كان ذلك في الدورة الثانية، المنعقدة من 26 شهر ربيع الآخر 1399ه الى 4 جمادى الأولى 1399ه والقرار الاول حول الوجودية وهذا نصه:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد: فقد درس مجلس المجمع الفقهي البحث الذي قدمه الدكتور: محمد رشيدي عن (الوجودية) بعنوان: (كيف يفهم المسلم فكرة الوجودية) وما جاء فيه من شرح لفكرتها ولمراحلها الثلاث التي تطور فيها هذا المذهب الأجنبيّ الى ثلاثة فروع تميّز كل منها عن الآخر، تميزاً اساسياً جذرياً حتى يكاد لا يبقى بين كل فرع منها والآخر صلة، أو جذور مشتركة.

وتبيّن أن المرحلة الوسطى منها كانت تطوراً للفكرة من اساس المادية المحض التي تقوم على الإلحاد وإنكار الخلق إلى قفزة الإيمان بما لا يقبله العقل.

وتبيّن ايضا ان المرحلة الثالثة رجعت بفكرة الوجودية الى الإلحاد الانحلالي يستباح فيه تحت شعار الحرية، كل ما ينكره الاسلام والعقول السليمة.

وفي ضوء ما تقدم بيانه يتبيّن أنه حتى فيما يتعلّق بالمرحلة الثانية المتوسطة من هذه الفكرة، وهي التي يتّسم أصحابها بالإيمان بوجود الخالق والغيبيّات الدينيّة وإن كان يقال إنها ردّ فعل للماديّة والتكنولوجيا والعقلانية المطلقة.

وكل ما يمكن ان يقوله المسلم عنها في ضوء الاسلام: هو أن هذه المرحلة الثانية منها، او عقيدة الفرع الثاني من الوجودية، رأي اصحابها في الدين، على اساس العاطفة دون العقل، لا يتفق مع الأسس الاسلامية في العقيدة الصحيحة، المبنيّة على النقل الصحيح، والعقل السليم في إثبات وجود الله تعالى، وما له من الأسماء والصفات، وفي إثبات الرسالات على ما جاء في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وبناء على ذلك يقرر المجلس بالاجماع: أن فكرة الوجوديّة في جميع مراحلها وتطوراتها وفروعها، لا تتفق مع الإسلام، لأن الاسلام إيمان يعتمد النقل الصحيح، والعقل السليم معاً في وقت واحد.

فلذا لا يجوز للمسلم بحال من الأحوال ان ينتمي الى هذا المذهب، متوهماً أنه لايتنافى مع الاسلام، كما أنه لا يجوز بطريق الأولوية ان يدعو إليه، او ينشر افكاره الضالة.

الجواب للسؤال الثالث :
تعريفه، رجاله، أفكاره، ورأيي عن هذه القضيّة.
ولد تشارلز داروين فى انجلترا يوم 12 فبراير 1809م وتوفى عام 1882م فهو من مفكرى القرن التاسع عشر الذى كان له اثر بعيد المدى فى تطور الفكر العلمانى فى القارة الاوربية وقتذاك .
وقد اصدر داروين كتابه (اصل الانواع) عام 1859م ، وذهب فيه الى ان انواع الاحياء –جميعا- وهى النبات والحيوان والانسان لم يخلق كل نوع منها خلقا مستقلا . بل كان لها اصل واحد هو الخلية البسيطة (البروتبلازم) ثم ظهر الحيوان الدودى ثم الشوكيات ثم النشويات . ثم ظهرت صور جديدة من الحيوان دل وجودها على وقوع انقلاب خطير فى سير الحياة واصبح لهذه الصورة حبل متين تدرج بواسطة التطور الى تكوين الفقار ، فوجدت الفقاريات واللافقاريات . ثم نشات البرمائيات كالضفادع ثم تدرج سلم التطور من البرمائيات الى الزواحف كالحيات . ومنها شات الطيور وذوات الثدى . ومن ذوات الثدى نشات القردة ومن القردة نشات البشريات او الانسان.
ويمضى داروين فى شرح نظريته فيرى ان الانواع وجدت على الطبيعة متاثرة بالظروف الخارجية المحيطة بها ، وانها –اى الانواع- اخذت تتطور عن طريق الصراع وطلبا للبقاء . وان الطبيعة كانت تبقى الاصلح وتزدرى غير الاصل وهذا هو ما يسمى مذهب النشوء والارتقاء ب (الانتخاب الطبيعى) اى اختيار الطبيعة لبقاء الاصلح وانقراض غيره من الدنايا .
وانت ترى ان التطور عند داروين بدا من نقطة هى (البروتويلازم) وهو الصورة البدائية للحياة . وانتهى عند نقطة هى (البشريات او الانسان) وانتهى داروين الى ان الانواهع الحالية على اختلافها يمكن ان تفسر باصل واحد او ببضعة اصول تمت وتكاثرت وتنوعت فى زمن مديد بمقتضى قانون (الانتخاب الطبيعى) او (بقاء الاصلح) وهو القانون اللازم من (تنازع البقاء).
وداروين لم يكن اول من ذهب الى هذه الفكرة فقد قال بها قبله كثيرون ومنهم من عمم فكرة التطور هذه حتى شملت نوعى الكون وهما : المادة غير العضوية . والمادة العضوية بانواعها الثلاثة : النبات والحيوان والانسان وممن ذهب هذا المذهب (التطور العام فى العضويات وغير العضويات) هربرت سبنسر (1820-1903) وهو من معاصرى داروين . ومن قبل سبنسر هاملتون (1788-1856) وعمانويل كانت (1724-1804م).
فالفكرة كانت مطروحة قبل داروين وفى ايام حياته ، ولكن داروين تحاش القول بالتطور العام واقتصر على احد شقيه ، وهو تطور الكائنات العضوية . ولهذا الاختيار عند داروين سبب احسن استاذنا العقاد فى الحديث عنه او : الكشف عنه ، وخلاصة ما ذكره العقاد يفهم منه ان داروين صرف عن القول بالتطور العام خشية الوقوع فيما وقع فيه سبنسر والقائلون به لانهم صدموا بعدم معرفة الاصول الاولى المؤثرة فى تطوير الكون فلم يجروا على تفسيرها ولم يجرؤا على انكارها !.
ولذلك ارتضى سبنسر ان يقف التطويرون العامون بالمعرفة الانسانية عند الاثار الظاهرة التى يدركونها ، وان يحجموا عما وراءها بما لا يدرك لا بالعقل ولا بالحواس . فالمعرفة الانسانية عند التطويريين العامين نوعان : نوع مدرك لانه ظاهر ونملك وسائل ادراكه ونوع غير مدرك مع انه موجود ولكننا لا نملك الوسيلة الموصلة اليه.
النوع الظاهر هو المؤثرات الطبيعية فى الكائنات العضوية وهو ما اقتصر عليه داروين، اما النوع غير الظاهر فهو يتلخص فى هذا السؤال المزدوج
          (ماذا خارج الكون كله يرجع اليه تطور الكون منذ البداية الاولى ؟ وكيف يتفق القول بالتطور والقول بالابدية التى لا اول لها ولا اخر اذا قيل ان الكون موجود بلا ابتداء ولا ختام ؟).
وهذه وقفة ناقدة وذكية تمدح للاستاذ العقاد . وارجو من القارىء ان يحتفظ بها ريثما نعود بعد قليل .
ومن المستحسن بعد ان بينا فى ايجاز محور نظرية داروين ان نعرض لصلتها بالفكر العلمانى وتطوره من خلال اثارها على العقل والثقافة فى اوربا بعد ذيوعها .
ورأيي أنّ المسلم لا يحتاج الى عقيدة فى الانسان غير العقيدة التى جاء بها القرآن هذه العقيدة القرآنية تجىء العقائد ثم تذهب اشبه ما تكون بموديلات الموضة وهى ثابتة لا تزول ولا تتبدل ولا تخضع للطوارىء والتغيرات ، لانها خبر صادق حكى الواقع فى امانة وصدق . بينما كل عقيدة بديلة تقوم على الاوهام حينا والتخمينات حينا اخر . والخبر الصادق لا يقبل النفى . وكل من حاول نفيه ركب متن الشطط وتاه فى ضلال الاوهام .
Share this article :

Posting Komentar

 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyright © 2011. Waroeng Mukhtasor - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Published by Mas Template
Proudly powered by Blogger